الحب بين الوقاية والعلاج
م. عبد اللطيف البريجاوي
تعلق شاب بفتاة وبالعكس
وقد يمر في حياة الإنسان تعلَُّقٌ من نوع آخر, تعلق يصبو إليه ويرغب به، يعيش من خلاله لحظات جميلة وأحلاماً وردية ويبني على هذا التعلق أبنية وهمية.
ملاحظات حول هذا النوع من التعلق:
1- الإسلام يمنع هذا النوع من التعلق حرصاً منه على نقاء المجتمع وصفائه وخوفاً من الوصول إلى ما لا يحمد عقباه.
2- يطلب الإسلام من هذا التعلق – إن وقع - أن لا يكون ملوثاً، وأن يكون طاهراً عفيفا بعيداً عن الخيانة والغدر والخسة والندالة، وأن يخاف كل طرف على الآخر مخافته على نفسه أو أكثر.
3- يطالب الإسلام أن لا يوجد في هذا التعلق مخالفات شرعية من خلوة ولمس وغير ذلك لأنّ الشيطان يصرع ابن آدم عند أمرين: الغضب والشهوة.
4- من الملاحظ أنّ الحب ارتبط ارتباطاً وثيقاً بالانحلال الخلقي والخيانة والخسّة والندالة، ولا يخفى على أحد دَوْر السينما المصرية في منتصف القرن الماضي السيئ والمنحل والذي جعل الحب خيانة وعلاقات مشبوهة.
5- يرفض الإسلام أن ينساق الشبان وراء مشاعرهم بغية التسلية وتضييع الوقت لأنّ في ذلك إهانة لهذه المشاعر واستخفاف بها وتحقير لها.
6- يؤكد الإسلام أنّ مشاعر الحب قسريّة لا يتحكم بها الإنسان وخاصة إذا استحكمت في قلبه؛ لذلك لجأ إلى احتياطات كثيرة وضوابط عديدة سنذكرها في حينها.
7- عيد الحب هو إذلالٌ وإسفاف بالحب لأنّ المسلم يعيش حياته كلّها بالحبّ، ولا يحتاج إلى عيد مبتذل ومستورد وخرافي ووردة حمراء ليحيي الحب في قلبه، فالمسلم لا يستطيع أن يعيش بلا حب، ولن تجد في الكون محبّاً مثل المسلم ولكنه حبّ مضبوط بضوابط اجتماعية وحبّ على الطريقة الشرعية.
8- يؤكد الإسلام أنّ الحب لا شفاعة فيه ولا إجبار؛ وعلى الطرف الثاني أن يقبل ويحترم رغبة الطرف الآخر، وأن لا يستخدم دهاءه وخسَّته لإزعاج الآخرين فلا سلطان على القلوب فعَن ابنِ عَبَّاسٍ أَنَّ زَوجَ بَرِيرَةَ كَانَ عَبدًا يُقَالُ لَهُ مُغِيثٌ كَأَنِّي أَنظُرُ إِلَيهِ يَطُوفُ خَلفَهَا يَبكِي وَدُمُوعُهُ تَسِيلُ عَلَى لِحيَتِهِ فَقَالَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم لِعبَّاسٍ: «يَا عَبَّاسُ! أَلَا تَعجَبُ مِن حُبِّ مُغِيثٍ بَرِيرَةَ وَمِن بُغضِ بَرِيرَةَ مُغِيثًا؟ فَقَالَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم: " لَوْ رَاجَعتِهِ " قَالَت: يَا رَسُولَ اللَّهِ تَأْمُرُنِي قَالَ:" إِنَّمَا أَنَا أَشْفَعُ " قَالَت لَا حَاجَةَ لِي فِيهِ (البخاري4875).
9- يؤكد الإسلام أنّ هذا نوع من البلاء الذي يمتحن به الله سبحانه وتعالى عبادَه فيختبر الرجلَ بالمرأة والمرأة بالرجل ويرى ماذا يفعل الواحد منهم في تعامله مع هذا البلاء.
مراتب الحب
قال الثعالبي في فقه اللغة: أول مراتب الحب الهوى ثم العلاقة ثم الكَلف وهو شدة الحبّ ثم العِشق ثم الشَعَف وهو إحراق الحبِّ القلبَ مع لذة يجدها فإن تَرك حُرقة فهو المُحرق ثم الشغف وهو أن يبلغ الحبُّ شغاف القلب ثم الجوى وهو الهوى الباطن ثم التَّيْم وهو أن يستعبده الحب ثم التَّبْل وهو أن يسقمه الهوى ومنه رجل متبول ثم التَّدْلية وهو ذهاب العقل ثم الهُيُوم وهو أن يذهب على وجهه لغلبة الهوى عليه ومنه رجل هائم. (فقه اللغة للثعالبي ص171)
ولما كانت مشاعر الحب من أقوى المشاعر التي تعتري الإنسان من خلال ضعفه وحاجته لسمير يسامره ومؤنس يؤانسه.
ولمّا كانت علاقة المحبّ مع مَن أحب صعبة بعض الشيء فهي كما عبّر بعضهم أنّ المحب يريد ممن أحب أن يكون في قبضته دائماً وطوع بنانه ووصفه بقوله:
المحب يحب أن يرى حبيبه ميتاً ليحييه كيف يشاء.
المحب يحب أن يرى حبيبه حيّاً ليميته كيف يشاء.
(الموت والحياة بمعنى حرية التصرف بالمحبوب )
المحبُّ يحبُّ أن يرى حبيبه قاسياً ليكسره متى شاء.
المحبُّ يحبُّ أن يرى حبيبه طرياً ليصنعه كيف شاء.
المحبُّ يحبُّ أن يرى حبيبه عالماً ليتعلم منه ما يشاء.
المحبُّ يحبُّ أن يرى حبيبه جاهلاً ليعلمه ما يشاء.
المحبُّ يحبُّ أن يرى حبيبه صائباً ليفتخر به متى شاء.
المحبُّ يحبُّ أن يرى حبيبه مخطئاً ليؤنبه متى شاء.
المحبُّ يحبُّ أن يرى حبيبه قريباً منه بعيداً عنه حتى لا يقع منه الجفاء. (هكذا علّمتني المحبّة: خواطر للمؤلّف)
بل إنّ هذا الأمر صعب بل مستحيل لذلك نرى هذه الحرقة في قلب المحب دائماً.
ولمّا كانت مراتب الحب تبدأ بالخطرة والنظرة ثم تزداد لتصل إلى السقم والمرض والذهول.
وحتى لا يصل الإنسان هذه المراتب ولا يصل إلى الحرقة والألم التي يجدها من تعلق قلبه بأحد أياً كان اتخذ الإسلام أدوية وقائية قبل وقوع التعلق ثم علاجية بعد وقوعه إذ مدار الأدوية في الإسلام على شيئين الوقاية والعلاج.
الأدوية الوقائية
يعتبر الإسلام التعلق بالغير مرضاً يجب أن لا يقع به المسلم وخاصة إذا كان التعلق سيفضي إلى معصية أو مشكلة نفسية أو اجتماعية، وكثيراً ما يتحدث المربون عن خطورة التعلق بالغير، لذلك اتخذ الإسلام أدوية وقائية لمنع هذا التعلق:
أولاً- غض البصر من قبل الطرفين:
فمنافذ الكون إلى القلب تكمن في السمع والبصر؛ ولكن الإسلام طلب منا أن نغضَّ أبصارنا عن المحرَّمات حولنا لأنها أسرع دخولاً وأقوى تأثيراً، وتفعل بالقلوب فعل الملح في الطعام وفعل السحر بالأشياء، ولربما تلاعبت بالقلوب كما تتلاعب الأفعال بالأسماء لذلك جاء الأمر الرباني بقوله تعالى:
]قُل لِّلْمُؤْمِنِينَ يَغُضُّوا مِنْ أَبْصَارِهِمْ وَيَحْفَظُوا فُرُوجَهُمْ ذَلِكَ أَزْكَى لَهُمْ إِنَّ اللَّهَ خَبِيرٌ بِمَا يَصْنَعُونَ (30) وَقُل لِّلْمُؤْمِنَاتِ يَغْضُضْنَ مِنْ أَبْصَارِهِنَّ وَيَحْفَظْنَ فُرُوجَهُنَّ.. [ (النور)
خطورة إطلاق البصر:
1- إطلاق البصر يعني المقارنات:
من الملاحظ أنّ أحدِ وأهم أسباب المشاكل في كثير البيوت إطلاق البصر يمنة ويسرة، ذلك أنّ الزوج عندما يطلق بصره سوف يتسرّب إلى قلبه مقارنة بين زوجته وبين ما يشاهده مِن تفرُّغٍ من قبل البعض لإغواء الناظرين، ونتيجة لهذه المقارنة يحصل العديد من المشاكل في البيوت فيطلب الزوج من زوجته ما يراه من الغانيات وما ينطبع في ذهنه من إغوائهن.
ومن الملاحظ أيضا أنّ إطلاق البصر أحد أهم الأسباب في تأخر الزواج؛ ذلك أنّ الشاب أصبح يملك في ذهنه نماذج متعدّدة من جمال الفتيات وخاصة اللواتي يراهن على شاشات التلفاز ويبحث جاهداً ليحظى بمثلهن، إلاَّ أنّه لن يحظى بما يرغب به، لأنّ ما يراه على شاشات التلفاز في مجمله جمال خادع ودلال كاذب وبالتالي يتأخر عن الزواج وتتأخر معه فتيات المسلمين، وما يقال للشبان يقال للفتيات فقد أمرهنّ الله سبحانه وتعالى بغضِّ البصر لأنّ المقارنة أيضاً تتسرب إلى قلوبهنّ.
2- إفساد الذوق العام:
لقد أفسد إطلاق البصر الذوق العام عند البشر جميعاً؛ فالجمال لم يعد له حدود، والتَّرف لم يعد له قيود، والزينة واللباس وعروض الأزياء اخترقت أذهاننا وتخطَّت كل القيود والسدود وأصبحت بحراً من بحار الفوضى يغرق بها الذوق السليم وفسد بها القلب الطاهر العفيف. " أكثر فساد القلب من تخليط العين، مادام باب العين موثقا بالغضِّ فالقلب سليم من آفة، فإذا فُتح الباب طار طائره وربما لم يعد " ( المدهش لابن الجوزي ج2 ص543)
3- تشويش القلب:
ومما يورثه إطلاق البصر تشويش القلب واقتلاعه مما كان في من طمأنينة وهدوء " فقد قَلَبَت نظرةٌ واحدة حياةَ كثيرٍ من الناس فتسرَّبت إلى قلبه رياح الشهوة ونفذت إليه السهام المسمومة فاقتلعته مما كان فيه من سعادة وأمانة وطمأنينة لمَّا فتح لها باب البصر، صابته السهام فأدمت قلبه وأفقدته تركيزه وأزالت رزانته فهو شارد وإن جلس وحيداً يستحضر نظراته السابقات ويتلذَّذ باستذكارهنّ ".( الحلول النبوية للمشاكل الزوجية للمؤلف ).
فوائد غض البصر:
1- طاعة لله سبحانه وتعالى وطاعة لرسوله صلى الله عليه وسلم.
2- حفظ القلب من السهام المسمومة والتي قد تورد الإنسان الهلاك فـ" بحر الهوى إذا ما مدّ أغرق، وأخوف المنافذ من الغرق فتحة البصر". ( المدهش لابن الجوزي ج2 ص462)
إنّ الذين يغضُّون أبصارهم يعيشون لذّة في قلوبهم ما بعدها لذّة؛ لأن الله سبحانه قد وعد من ترك شيئاً له سبحانه بأن يعوَّضُ بأحسن منه.
ثانياً-دفع الخواطر الطارئة على القلب بالانشغال عنها بادئ ذي بدئ:
يقول ابن القيِّم رحمه الله تعالى: "وأول ما يطرق القلبَ الخطرةُ فإن دفعها استراح بعدها، وإن لم يدفعها قويت فصارت وسوسة فكان دفعها أصعب، فإن بادر ودفعها وإلاَّ قويت وصارت شهوة، فإن عالجها وإلاَّ صارت إرادة، ومتى وصلت إلى هذه الحال لم يمكن دفعها، واقترن بها الفعل، ولا بد حينئذ أن ينتقل العلاج إلى أقوى الأدوية وهو الاستفراغ التام بالتوبة النصوح، ولا ريب أنّ دفع مبادئ هذا الداء من أوّله أيسر وأهون من استفراغه بعد الحصول". (التبيان في أقسام القرآن ابن القيم ص 280)
والاشتغال عن هذه الخواطر يكون بالعبادات والعلم والأذكار والصحبة الصالحة.
يقول ابن القّيم: "إن القلوب الممتلئة بالأخلاط الرديئة فالعبادات والأذكار والتعوّذات أدوية لتلك الأخلاط كما يثير الدواء أخلاط البدن". (المرجع السابق ص81 )
ثالثاً - عدم الاختلاط إلاَّ لضرورة:
لأنّ من طَبع الرجل الميل إلى المرأة فإذا كانت أمامه فإنّه سيتولد في قلبه ميلٌ لها وهذا أول أسباب الحب والتعلق فعَن أُسَامَةَ بنِ زَيدٍ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: «مَا تَرَكتُ بَعْدِي فِتنَةً هِيَ أَضَرُّ عَلَى الرِّجَالِ مِن النِّسَاءِ». (متفق عليه)
(أضر على الرجال من النساء) لأنّ الطباع كثيراً ما تميل إليهنّ وتقع في الحرام لأجلهنّ وتسعى للقتال والعداوة بسببهنّ، وأقل ذلك أن ترغبه في الدنيا، وأي فساد أضر من هذا؟ قال الحافظ في الحديث: إنّ الفتنة في النساء أشد من الفتنة بغيرهنّ، ويشهد له قوله تعالى: )زُيِّنَ للناس حُبُّ الشهواتِ منَ النساءِ( فجعلهنّ من عين الشهوات وبدأ بهن قبل بقية الأنواع إشارة إلى أنهن الأصل في ذلك(تحفة الأحوذي ).
رابعاً – التيقن الكامل أنّ الرجل ضعيف أمام المرأة ولو ظهر بغير هذا المظهر:
«مَا رَأَيْتُ مِن نَاقِصَاتِ عَقلٍ وَدِينٍ أَذهَبَ لِلُبِّ الرَّجُلِ الحَازِمِ مِن إِحدَاكُنَّ». (متفق عليه).
الأدوية العلاجية
رغم كل الاحتياطات السابقة وغيرها والتي تحول دون أن يحدث هذا النوع من التعلق، فإنّ مجتمعنا ونتيجة التغيرات الديموغرافية فيه ونتيجة الانفتاح الإعلامي وقع ضحية هذه التعلقات، والإسلام لم يكن ليترك هذا التعلق بعد وقوعه دون أن يضعه على المسار الصحيح وأن يحد له حدوداً وضوابط:
1- الزواج:
أولى هذه الحلول أن توضع المحبة في إطارها الصحيح والشرعي وأن يتحول هذا التعلق إلى تعلق رسمي يعترف به المجتمع ولا يخجل أحد من إظهاره وإعلانه والمباهاة والتفاخر به، وبذلك جاء الحديث الشريف؛ فعَن ابنِ عَبَّاسٍ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: «لَم نَرَ لِلمُتَحَابَّينِ مِثْلَ النِّكَاحِ». (ابن ماجه 1837).
وبذلك يكون الإسلام جمع للمتحابَّين قمم الحب كلها وخفف عنهم ما يلاقونه من أسى وحزن ولوعة.
2- استعينوا بالصبر والصلاة:
من المهم أنّ يعرف الإنسان أنه ضعيف وبحاجة في كل أحواله إلى الاستعانة بالله سبحانه وتعالى.
وكلُّ سهـلٍ إذا لَمْ يوفِّقِ اللهُ صعبُ
وخاصة في حالات البلاء والشدة، وهنا يظهر الرضا بقضاء الله وقدره: )يا أيها الذين آمنوا استعينوا بالصبر والصلاة إن الله مع الصابرين(.
وإذا وصل الإنسان إلى كنه الاستعانة سيتحول صبره وما يلاقيه من ألم سروراً لأنّه أطاع الله سبحانه وتعالى ولم يعصه.
ومن القصص الواقعية أنّ أحد الشبان حصل له تعلق من هذا القبيل ولم يستطع أن يصل إلى مبتغاه فأقبل على الله بكليته متضرعاً مستغفراً باكياً وشاكياً حتى صرف الله ما في قلبه وأبدله طمأنينة وسعادة: «إِنَّ الْقُلُوبَ بَينَ أُصْبُعَينِ مِن أَصَابِعِ اللَّهِ يُقَلِّبُهَا كَيفَ يَشَاءُ». (الترمذي 2066)
وكان يقول له أحد العلماء الذي عرف حالته: لحاجة جعلتك ترتمي على أعتاب الله سبحانه لهي حاجة مبارك يا ولدي.
فالصلاة والاستعانة بالصبر والهروب إلى المسجد والإلحاح بالدعاء لكفيلون بأن ينقلوا الإنسان من حاله هذه إلى حالة أفضل وأحسن.
3-مراعاة الحقوق الثلاثة حق الله وحق الأسرة وحق النفس:
فالمسلم لا يعيش وحيداً في الكون؛ بل هو كتلة من الكتل المحيطة به، فهو ينتمي إلى مجتمع وأسرة ودين، ويتصف بصفة العزة وعدم الذلة، ولا بد أن يراعي هذه الحالات الثلاثة أثناء تصرفاته المختلفة كما فعل يوسف عليه السلام عندما دعته امراة العزيز فقال: )معاذ الله إنه ربي أحسن مثواي إنه لا يفلح الظالمون(. (يوسف)
فراعى حق الله سبحانه وتعالى بأنه يراقبه ويراه، وراعى حق البيت الذي تربّى فيه (إنّه ربي أحسن مثواي)، فما ينبغي أن يهينه أو يذله أو يضعه في موقف حرج. وراعى حق نفسه بأن لا يوردها مورد الهالكين والظالمين.
محظورات
أولاً -الزواج رغماً عن الأهل (أو الزواج العرفي ):
وذلك للطرفين؛ أما الفتاة فلأنّه لا نكاح إلاَّ بولي؛ فعَن أَبِي مُوسَى قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم :«لا نِكَاحَ إِلَّا بِوَلِيٍّ». (الترمذي 1020)
وأمّا الشاب فلأنّ الزواج علاقة بين أسرتين وليس مجرد علاقة بين شخصين ولا بد أن تكتمل هذه العلاقة وتنضج حتى تثمر أسرة داعمة للمجتمع وليس عالة عليه.
ثانياً – رفض ونبذ المساكنة شكلاً ومضموناً: واعتبارها تعدٍّ حقيقي وسافر على شعور الحب المقدس وعلى محارم الله سبحانه وتعالى وهو ما يدعو له بعض الذين لم يرقهم تماسك الأسرة في المجتمع المسلم.
ثالثا – الكتمان وعدم البَوح بما في صدره لأي كان:
لأنّ الأخبار تتناقل وتتوارد ويُزاد عليها وهذا ما يسبب ضرراً للأطراف جميعاً، وإن كان لا بد من بوحٍ فبالتعريض؛ ومما يروى عن الأصمعي أنّه وجد في الصحراء حجراً كُتب عليه هذا البيت:
يا معشر العشاق بالله خبِّروا ** إذا حلَّ عشق بالفتى كيف يصنع
فكتب تحته:
يداري هـواه ثمَّ يكتم سرَّه *** ويخشع في كلِّ الأمور ويخضع
وفي الختام
وجد أحد الصالحين رجلاً يبكي فسأله لم البكاء؟ فقال: أبكي على حبيب فقدتُه. فقال له: هلا أحببت من لا تفقدُه أبداً.
في هذه القصة القصيرة مغازٍ عديدة أهمها:
أنّ الله سبحانه وتعالى يستحقُّ أن يُحَبَّ، فهو وليُّ النعمة وصاحب الفضل وميزان العدل وأهل التقوى والمنقذ من كل المصائب والمحن... وعدّد ما شئت من صفات، فليجرب الواحد منا أن يحب الله وأن يصرِّح له ويبوح له بذلك ويقول: أحبك ربي...
عندئذ سيعرف معنى الحب الحقيقي ومعنى الحب الخالد الذي لا يملُّه صاحبه ولا يمجُّه قلبه ولا تنقطع لذته ولا يُفقد محبوبه، فليقلها الإنسان في جوف الليل ولو مرة وسيجد كيف سيغسل الله القلب ويصحح الدرب.
سلكت طريق الحبِّ حتى إذا انتهى *** تعوّدت حبّ الله لا حبّ غيره
ولله درُّ القائل:
وقائلـة ما لي أراك مجانباً *** حبيباً عزيـزاً كالغزال المشرَّدِ
فقلت لها كفي الملامة إنني *** ختمت رسالات الهوى بمحمَّدِ
والحمد لله رب العالمين